كتب المقال بنجامين آدام، موضحًا كيف يسهم ملايين الأطفال المصريين في الزراعة ضمن خطة حكومية لتوسيع صادرات المنتجات الزراعية إلى أوروبا، في ظل واقع اقتصادي قاسٍ يربط لقمة العيش باستغلال الطفولة.

ينشر التحقيق على موقع إيكوال تايمز، حيث يكشف أن عدد الأطفال العاملين في الزراعة يتجاوز ثلاثة ملايين وفق تقديرات الباحثين، رغم أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قدّرهم بـ1.8 مليون فقط في بيانات 2019. ويؤكد الباحث عبد المولى إسماعيل، رئيس الجمعية المصرية للحقوق الجماعية، أن الأرقام الرسمية تُخفي نطاق الظاهرة الحقيقي وتستبعد قطاعات واسعة من العمل غير الرسمي في الريف.

تبدأ الحكاية مع الطفلة مريم ذات الأحد عشر عامًا، التي تستيقظ الثالثة فجرًا لتلحق بالشاحنة المتجهة إلى مزارع الصحراء في محافظة المنيا. تركب وسط نحو عشرين فتاة أخرى لجني البصل، بينما تذهب أمها إلى حصاد القمح. تنطلق الرحلة في طرق غير ممهدة تستغرق ساعتين، وتخاف الفتيات من الحوادث المتكررة. في أحد الحوادث أصيبت الأم وبقيت في المنزل أسبوعين، فيما عادت مريم إلى العمل رغم الكدمات.

تعمل الطفلة من السادسة صباحًا حتى الثالثة عصرًا في حرّ الشمس بلا حماية، مقابل مئة جنيه يوميًا (نحو 1.8 يورو)، بينما تكسب أمها قرابة 150 جنيهًا. تقول الأم: “نضطر أنا وابنتي للعمل لأن لا مصدر دخل لدينا. أصحاب الأراضي يفضلون الفتيات الصغيرات لأن أجورهن أقل.” فقدت الأم زوجها قبل أربع سنوات، وتعيش مع أولادها الأربعة في شقة صغيرة من غرفتين.

الظروف القاسية لا تتوقف عند الفقر. الأم تحمل ندبة سوداء على وجهها من مادة الكبريت المستخدمة في حصاد البنجر، التي تسببت في حرق بشرتها. تعمل النساء ستة أيام أسبوعيًا ويعتبرن يوم الجمعة “نعمة للراحة”، إذ تنهكهن الشمس والعمل اليدوي الطويل.

حادثة يونيو التي قُتلت فيها ثماني عشرة عاملة، معظمهن قاصرات، أثناء ذهابهن لجني العنب في المنوفية، هزّت الرأي العام وأطلقت نقاشًا حول ارتباط الكوارث الاقتصادية بسياسات الإصلاح التي يفرضها صندوق النقد الدولي منذ 2016. تقول الأم بقلق: “كل مرة نخرج فيها نودع أولادنا، لا نعلم إن كنا سنعود.”

ما لا تدركه مريم وأمها أن كثيرًا من الشاحنات التي تُحمّلها في نهاية اليوم تتجه إلى أوروبا، حيث تُباع المنتجات المصرية التي زرعتها أيادٍ صغيرة. تشير وزارة الزراعة إلى أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مستورد للمنتجات الزراعية المصرية، إذ بلغت الصادرات 7.5 ملايين طن منذ بداية العام، تشمل الموالح والبطاطس والطماطم والعنب والفراولة.

لخدمة هذا التوسع، أنشأت مصر وإيطاليا خط شحن بحري سريع لنقل الفاكهة والخضروات الطازجة إلى أوروبا. وتحولت الصادرات إلى مصدر أساسي للعملة الأجنبية، ضمن خطة حكومية لرفع قيمة الصادرات السنوية إلى مئة مليار دولار. يقول إسماعيل: “توسّع الدولة في استصلاح الصحراء وزراعة العنب والبصل والموالح زاد من العمالة غير الرسمية واستغلال الأطفال، خصوصًا في المناطق الريفية.”

ويضيف أن “عمل الأطفال والنساء هو الوجه المظلم للقطاع الزراعي، إذ يحتاج العمل إلى جهد كبير وأجور منخفضة، ما يجعل الأطفال هدفًا سهلاً.” وتقدّر منظمة العمل الدولية في تقرير 2024 عدد الأطفال العاملين حول العالم بنحو 138 مليون طفل، بينما يعمل في الزراعة المصرية أكثر من خمسة ملايين امرأة بلا تأمين أو حماية اجتماعية، وغالبًا ما لا يتجاوز عمر العاملة خمسين عامًا بسبب الإجهاد المزمن.

يقول عبد الفتاح عبد العزيز، رئيس نقابة الفلاحين، إن القانون يمنع تشغيل الأطفال دون الخامسة عشرة وإن المجلس القومي للطفولة والأمومة يراقب الوضع، “لكن لا توجد آلية حقيقية للمتابعة أو أرقام دقيقة.”

تظهر مشكلة عمالة الأطفال بوضوح في موسم قطف الياسمين الموجّه أساسًا إلى الأسواق الأوروبية. مصر تسيطر على 60 في المئة من الإنتاج العالمي وتصدر معظمه لشركات العطور الفرنسية الكبرى مثل مجموعة LVMH. ويشير إسماعيل إلى أن آلاف الأطفال يعملون كل ليلة من يونيو حتى نوفمبر في قطف الأزهار تحت ظروف قاسية مقابل أجر زهيد لا يتجاوز جنيهاً ونصفًا للكيلوجرام، بينما يُباع الكيلو في فرنسا بأكثر من 80 يورو.

يضيف أن هذه الأعمال تترك آثارًا صحية وتعليمية مدمّرة، إذ يعاني الأطفال من أمراض بسبب المبيدات والتعرّض للشمس، ويحرمون من التعليم. وتشير التقديرات الرسمية إلى وجود أكثر من 18 مليون أمي في مصر، أغلبهم في المحافظات الريفية التي تعتمد على هذا النوع من العمل.

بعد يوم طويل تحت الشمس، تعود مريم وأمها إلى بيتهما ومعهما 230 جنيهًا فقط (حوالي 3.5 يورو) لإطعام أسرة من ستة أفراد، قبل أن تستيقظا فجرًا في اليوم التالي لتكرار الدورة ذاتها، في مشهد يلخّص الثمن الإنساني الذي تدفعه العائلات المصرية لإطعام أسواق أوروبا.

https://www.equaltimes.org/egypt-s-child-farmworkers-the?lang=en